استفتاء كردستان

استفتاء كردستان

رجائي فايد

رجائي فايد

10 يونيو 2017

دعا مسعود البارزانى، رئيس إقليم كردستان العراق، الأحزاب الكردستانية في الإقليم إلى اجتماع لمناقشة مسألة تنظيم استفتاء بين شعب الإقليم من أجل حق تقرير المصير والاستقلال عن بغداد وإقامة دولة كردستان المستقلة، وصدر عن الاجتماع بيان بتحديد يوم 25/9 موعدا لإجراء هذا الاستفتاء، وقوبل الخبر كرديا بالأفراح، فالحلم الذي عاش فيه الأكراد قرونا على وشك أن يأخذ طريقه إلى النور. 

 

هكذا يرى الأكراد، ولكن واقع الحال لا يقول هكذا، فهذا الاستفتاء ليس هو الأول الذي يستفتى فيه الأكراد على تقرير مصيرهم، فلقد سبقه استفتاء آخر عام 2005 إبّان الاستفتاء على الدستور العراقي، فقد نظمت منظمات المجتمع المدني ذلك الاستفتاء بوضع صناديق خارج لجان التصويت وكانت النتيجة شبه إجماع (98، 88%) لصالح الموافقة على حق تقرير المصير ومن ثم الاستقلال، الجديد في الأمر هو أن الاستفتاء السابق لم تكن له الصفة الرسمية كما لم يخضع للقواعد الفنية الضرورية في ذلك، أما الاستفتاء المزمع تنظيمه فإنه سيكون رسميا ومراقبا من جهات داخلية وإقليمية ودولية، وبالتالى يصبح أكثر قيمة وأهمية. 

 

ويتصور البعض أن يوم 25/9 القادم هو يوم إعلان استقلال كردستان، وهذا التصور يتحول إلى يقين في الشارع الكردى، وهو أمر لا يتفق مع واقع الحال، فاستطلاع رغبة شعب في تقرير مصيره شيء، وتنفيذ ذلك شيء آخر، رغبة الشعب معروفة مسبقا، أما مسألة التنفيذ بالانفصال عن العراق، وإعلان دولة كردستان فهى إشكالية لها أبعادها، لها بعد داخلى وبعد إقليمى وبعد دولي، فعلى المستوى الداخلى الكردى توجد تيارات سياسية تعارض فكرة الاستقلال أصلا، ومعارضتها ليس من حيث المبدأ ولكن لعدم ملائمة التوقيت والظروف الداخلية، فبالنسبة للتوقيت، فقد يصب ذلك حاليا في مصلحة تنظيم الدولة (داعش)، إذ سيهتز التحالف القائم بين قوى كانت متحاربة فيما بينها قبل داعش لأسباب أهمها حصول الأكراد على حقوقهم (وهي التي ستطل برأسها من جديد مع الاستفتاء)، وبالتالى ستصبح معارك تحرير العراق أكثر صعوبة. 

 

أما عن المشاكل الداخلية فهى عديدة، منها الاقتصاد المتردى، حيث وصل الحال إلى عدم مقدرة الحكومة الإقليمية على دفع رواتب الموظفين، وتوفير احتياجات أساسية للمواطنين، وما ترتب على ذلك من سوء الأوضاع الاقتصادية في الإقليم بشكل عام، المعارضون كرديا لتنظيم الاستفتاء في هذه المرحلة، يذكرون تجربة جنوب السودان كمثال لذلك عندما استقل، وكانت النتيجة في النهاية هي أن دولة جنوب السودان صارت دولة فاشلة، لكن لن يجرؤا واحد من هؤلاء وهم قيادات سياسية لها وزنها في الإقليم أن يقول (لا) لحق تقرير المصير، لأنه إن قال ذلك فإنه يكون قد كتب نهايته سياسيا، وإذا كانت معارضة الداخل العراقي (خارج الإقليم) لن يكون لها تأثير يذكر لضعف ما تمتلكه من أوراق، إلا أن تأثيرها قد ينبثق من العلاقات الإقليمية والدولية، ومدى ما يمكن أن تقوم به بغداد في هذه الدوائر، وتأتى بعد ذلك موقف الدائرة الإقليمية، وعندما يتطرق الأمر إلى تلك الدائرة فإن الأنظار تتجه على الفور إلى تركيا ومن بعدها إيران مع تخطى الدائرة العربية. 

 

وبالفعل فإن الدائرة العربية خارج نطاق التأثير في ذلك، فحتى ما كنا نسمعه في الماضى من بيانات الشجب والإدانة عند كل حدث، حتى ذلك (رغم تواضعه) لم نسمع منه شيئا وكأن الأمر لا يعنى جامعة الدول العربية والتى تضم في جنباتها دولة مؤسسة لها هي العراق والأمر سيؤثر فيها ولاشك، وقبل التطرق إلى الموقف التركى لا بدَّ من التطرق إلى حزب العمال الكردستانى (العدو اللدود لتركيا وللبرزانى في آن واحد)، فميليشيات حزب العمال (الكريللا) تحصن في جبل قنديل، وتسيطر على خط أنابيب النفط الواصلة من كركوك إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض في تركيا، وقد سبق لتلك القوات أن فجرت هذا الخط مما تطلب إصلاحه أسابيع تكبد خلالها الإقليم خسائر فادحة، وقيام قوات الكريللا بذلك، كانت رسالة تقول فيها (نحن هنا) وأن أى ترتيبات مستقبلية لا يجوز التغاضى فيها عن وجودنا، وإذا افترض ووصلت الأمور إلى الاستقلال، فإن اقتصاد تلك الدولة الناشئة سيعتمد بالدرجة الأولى على تصدير النفط، والذى يمر من منطقة يسيطر عليها حزب العمال، فكيف يمكن لتلك الدولة المفترضة أن تضمن استقرار اقتصادها في ظل هذا الوضع غير الآمن. 

 

ولذلك وكما يقول المعارضون في الداخل التركى، ستكون تكرارا لجنوب السودان، أما تركيا فموقفها معروف رغم ما بينها وبين حكومة الإقليم من ود، فإن هذا الود له حدود، فالسياسة لا تعرف ودا بلا حدود أو حتى ودا دائما، السياسة مصالح، ونشأة دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية سيكون له بالتأكيد تأثير بالغ على أكراد تركيا، على الأقل من حيث تأجيج النزعة القومية لديهم، وهو أمر تركيا تقف له بالمرصاد، وسوف نتعرض لاحقا لذلك ضمن تعرضنا للمواقف الإقليمية والدولية بالتفصيل، لكن قبل ذلك نسأل إذا كان هذا الاستفتاء معروف النتيجة مسبقا وكما سبقه من استفتاء، وإذا كان لا يعنى تحقيق الاستقلال وإقامة الدولة لأن ذلك يتطلب خطوات عديدة وشاقة، فلماذا تقرر تنظيمه إذن؟ والإجابة ببساطة هي إعطاء قوة للمفاوض الكردى، إذ أنه أمام العالم سيتفاوض باسم ملايين الأكراد أعطوه تفويضا بذلك، ونستكمل الحديث لاحقا.